فصل: تفسير الآيات (54- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآية رقم (53):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)}
قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} الآية قال أكثر المفسرين نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بن جحش حين بنى لها رسول الله صلى الله عليه سلم.
(ق) عن أنس بن مالك: أنه كان ابن عشر سنين مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال فكانت أم هانئ تواظبني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخدمته عشر سنين وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنة، وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما نزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش حين أصبح النبي صلى الله عليه وسلم بها عروساً فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا، وبقي رهط عند النبي صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس ولم يقوموا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت، حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة، وظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب زاد في رواية قال دخل يعني النبي صلى الله عليه وسلم البيت وأرخى الستر، وإني لفي الحجرة وهو يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} إلى قوله: {والله لا يستحيي من الحق}.
(ق) عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل، إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح، وكان عمر رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم، احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فنادها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصاً على أن ينزل الحجاب فأنزل الله الحجاب، المناصع المواضع الخالية، لقضاء الحاجة من البول أو الغائط والصعيد وجه الأرض والأفيح الواسع.
(ق) عن أنس وابن عمر أن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقلت: يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت الآية الحجاب واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن} فنزلت كذلك.
وقال ابن عباس: إنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام قبل أن يدرك ثم يأكلون، ولا يخرجون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم، فنزلت الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} يعني إلا أن تدعوا {إلى طعام} فيؤذن لكم فتأكلون {غير ناظرين إناه} يعني منتظرين نضجه ووقت إدراكه {ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم} أي أكلتم الطعام {فانتشروا} أي فاخرجوا من منزله وتفرقوا {ولا مستأنسين لحديث} أي لا تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعض، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون فنهوا عن ذلك {إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم} أي فيستحيي من إخراجكم {والله لا يستحيي من الحق} أي لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء ولما كان الحياء مما يمنع الحيي من بعض الأفعال، وقيل: لا يستحيي من الحق بمعنى لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منكم وهذا أدب أدب الله به الثقلاء، وقيل: بحسبك من الثقلاء أن الله لم يحتملهم {وإذا سألتموهن متاعاً} أي وإذا سألتم نساء النبي صلى الله عليه وسلم حاجة {فاسألوهن من وراء حجاب} أي من وراء ستر فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم متنقبة كانت أو غير متنقبة {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} أي من الريب {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} أي ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً} نزلت في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم، قال إذا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأنكحن عائشة. قيل هو طلحة بن عبيد الله فأخبر الله أن ذلك محرم، وقال {إن ذلك كان عند الله عظيماً} أي ذنباً عظيماً وهذا من إعلام تعظيم الله لرسوله الله صلى الله عليه وسلم، وإيجاب حرمته حياً وميتاً وإعلامه بذلك مما طيب نفسه وسر قلبه واستفرغ شكره فإن من الناس من تفرط غيرته على حرمه حتى يتمنى لها الموت قبله لئلا تنكح بعده.

.تفسير الآيات (54- 56):

{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}
{إن تبدوا شيئاً} أي من أمر نكاحهن على ألسنتكم {أو تخفوه} أي في صدوركم {فإن الله كان بكل شيء عليماً} أي يعلم سركم وعلانيتكم، نزلت فيمن أضمر نكاح عائشة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: قال رجل من الصحابة ما بالنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا، فنزلت هذه الآية، ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله، ونحن أيضاً يا رسول الله نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله عز وجل: {لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن} أي لا إثم عليهن في ترك الحجاب عن هؤلاء الأصناف من الأقارب {ولا نسائهن} قيل أراد به النساء المسلمات، حتى لا يجوز للكتابيات الدخول على أزواج رسول الله صلى الله عليه سلم وقيل هو عام في المسلمات والكتابيات وإنما قال ولا نسائهن لأنهن من أجناسهن {ولا ما ملكت أيمانهن} اختلفوا في أن عبد المرأة هل يكون محرماً لها أم لا فقال قوم بل يكون محرماً لقوله تعالى ولا ما ملكت أيمانهن، وقال قوم العبد كالأجانب والمراد من الآية الإماء دون العبيد {واتقين الله} أي أن يراكن أحد غير هؤلاء {إن الله كان على كل شيء} أي من أعمال العباد {شهيداً} قوله عز وجل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} قال ابن عباس: أراد أن الله يرحم النبي، والملائكة يدعون له وعنه أيضاً يصلون يتبركون وقيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار فصلاته ثناؤه عليه عند ملائكته وصلاة الملائكة الدعاء {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} أي ادعوا له بالرحمة {وسلموا تسليماً} أي حيوه بتحية الإسلام.
فصل في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها:
اتفق العلماء على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اختلفوا فقيل تجب في العمر مرة وهو الأكثر وقيل: تجب في كل صلاة في التشهد الأخير وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وقيل: تجب كلما ذكر واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية والواجب اللهم صل على محمد وما زاد سنة.
(ق) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
(ق) عن أبي حميد الساعدي قال: قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد».
(م) عن أبي مسعود البدري؛ قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم».
(م) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً» عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات» أخرجه الترمذي وله عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقلت إنا لنرى البشر في وجهك قال: «أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشراً» وله عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض، يبلغوني عن أمتي السلام» عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب. وله عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علي» أخرجه الترمذي: وقال حديث حسن غريب صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صلي على محمد النبي الأمي، وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد» أخرجه أبو داود.

.تفسير الآيات (57- 67):

{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)}
قوله عز وجل: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً} قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون فأما اليهود فقالوا: عزير ابن الله ويد الله مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وأما النصارى فقالوا المسيح ابن الله وثالث ثلاثة وأما المشركون فقالوا: الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه.
(خ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي، فقوله اتخذ ولداً وأنا الأحد الصمد لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد».
(ق) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي أقلب الليل والنهار» معنى هذا الحديث: أنه كان من عادة العرب في الجاهلية أن يذموا الدهر ويسبوه عند النوازل، لاعتقادهم أن الذي يصيبهم من أفعال الدهر فقال الله تعالى أنا الدهر أي أنا الذي أحل بهم النوازل، وأنا فاعل لذلك الذي تنسبونه إلى الدهر في زعمكم، وقيل معنى يؤذون الله يلحدون في أسمائه وصفاته وقيل: هم أصحاب التصاوير.
(ق) عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. يقول: «قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة أو شعيرة» وقيل: يؤذون الله أي يؤذون أولياء الله، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب» وقال تعالى: «من أهان ولياً فقد بارزني بالمحاربة» ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب المعاصي، ذكر ذلك على ما يتعارفه الناس بينهم لأن الله تعالى منزه عن أن يلحقه أذى من أحد، وأما إيذاء الرسول فقال ابن عباس هو أنه شج وجهه وكسرت رباعيته وقيل ساحر شاعر معلم مجنون {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} أي من غير أن عملوا ما أوجب أذاهم وقيل يقعون فيهم ويرمونهم بغير جرم {فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً} قيل إنها نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه، ويشتمونه وقيل نزلت في شأن عائشة وقيل نزلت في الزناة الذين يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء، إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيتبعون المرأة فإن سكتت تبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحداً تخرج الحرة والأمة في درع وخمار فشكوا ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} الآية، ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء، فقال تعالى، {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين}.
أن يرخين ويغطين {عليهن من جلابيبهن} جمع جلباب وهو الملاءة التي تشمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقيل الملحفة وكل ما يستتر به من كساء، وغيره.
قال ابن عباس: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر وهو قوله تعالى: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي لا يتعرض لهن {وكان الله غفوراً رحيماً} أي لما سلف منهن قال أنس: مرت بعمر بن الخطاب جارية متنقبة فعلاها بالدرة، وقال يالكاع اتتشبهين بالحرائر ألق القناع. لكاع كلمة تقال لمن يستحقر به مثل العبد والأمة والخامل والقليل العقل مثل قولك يا خسيس. قوله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون} أي عن نفاقهم {والذين في قلوبهم مرض} أي فجور وهم الزناة {والمرجفون في المدينة} أي بالكذب وذلك أن ناساً منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلى لله عليه وسلم يوقعون في الناس أنهم قد قتلوا وهزموا ويقولون: قد أتاكم العدو ونحو هذا من الأراجيف، وقيل: كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وتفشوا الأخبار {لنغرينك بهم} يعني لنحرشنك بهم ولنسلطنك عليهم {ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً} أي لا يساكنونك في المدينة إلا قليلاً أي حتى يخرجوا منها وقيل لنسلطنك عليهم حتى تقتلهم وتخلي منهم المدينة {ملعونين} أي مطرودين {أينما ثقفوا} أي وجدوا وأدركوا {أخذوا وقتلوا تقتيلاً} أي الحكم فيهم هذا على الأمر به {سنة الله} أي كسنة الله {في الذين خلوا من قبل} أي في المنافقين والذين فعلوا مثل ما فعل هؤلاء أن يقتلوا حيثما ثقفوا {ولن تجد لسنة الله تبديلاً} قوله عز وجل: {يسألك الناس عن الساعة} قيل إن المشركين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن وقت قيام الساعة استعجالاً على سبيل الهزء وكان اليهود يسألونه عن الساعة امتحاناً، لأن الله تعالى عمى عليهم علم وقتها في التوراة فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم بقوله: {قل إنما علمها عند الله} يعني إن الله تعالى قد استأثر به ولم يطلع عليه نبياً ولا ملكاً {وما يدريك} أي أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى يكون قيامها {لعل الساعة تكون قريباً} أي إنها قريبة الوقوع وفيه تهديد للمستعجلين، وإسكات للممتحنين {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً يوم تقلب وجوههم في النار} أي تتقلب ظهر البطن حين يسحبون عليها {يقولون يا ليتنا أطعنا الرسولا} أي في الدنيا {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} يعني رؤوس الكفر الذي لقنوهم الكفر، وزينوه لهم {فأضلونا السبيلا} يعني سبيل الهدى.